العصابة الأنجلوسلطانية وتدمير البيئات الجبلية العمانية بإسم المشاريع العقارية والسياحية
في عام 1959م احتلت بريطانيا الجبل الأخضر بعد معارك صعبة وحرب طويلة ضد الثوار العمانيين الذين اتخذوا الجبل الأخضر مقراً لعملياتهم عقب ثورة الثامن عشر من تموز 1957م
بريطانيا حينها مارست سياسة الأرض المحروقة في الجبل الأخضر ودمرت قراه وموارده المائية وأحرقت أحراشه ومزارعه وصبت حممها عليه صباً وقتلت أهله وكل ما يدب على صخوره، ونصبت حاكماً عسكرياً عليه بعد سقوطه في قبضتها لضمان السيطرة الدائمة عليه، ومن يومها والجبل لم يتعافى وبيئته تعاني رغم أن الحرب انتهت لكن آثارها ظلت باقية والنظام الذي صنعته بريطانيا بدل إصلاح البيئة ظل يخرب الجبل وبيئته باستمرار.
في نهاية التسعينات من القرن الماضي اغتصب السلطان الهالك قابوس بن سعيد أرضاً واسعة شاسعة في الجبل ليقيم عليها مزرعة خاصة (انظر تدوينة ماذا فعلت العصابة في سيح البوتة؟) وهو بذلك خرق قانون المراعي والحوزات والفلوات الأهلي المعمول به في الجبل بالتوافق بينهم وبين جيرانهم من القبائل والمناطق المحيطة، واستمر انتزاع أراضي الجبل وتحويزها بغير رضا أهلها لأغراض مختلفة عسكرية أمنية ومدنية (انظر تدوينة ماذا فعلت العصابة بحديقة الحفريات؟)
وفي عام 2011م أصدر قابوس مرسوماً بإنشاء “محمية الجبل الأخضر للمناظر الطبيعية” وحرم أهالي الجبل من الاستفادة من مساحة كبيرة من فلواتهم تساوي 122كم مربع، رغم أن العرف الأهلي يعتبر الفلوات محميات طبيعية ويمارس فيها قانونه البيئي وأعرافه الخاصة التي تتيح له استدامتها.
ومع أن المرسوم وقانونه حرم الناس من الاستفادة والتعامل من الأراضي التي شملتها المحمية بالشكل السابق لكنه أيضاً حمى المنطقة من العبث والتخريب والتمدد العمراني؛ لكن هذا لم يدم طويلاً لأنه ليس سبب إنشاء المحمية.
ففي عام 2024م أعلنت حكومة العصابة الأنجلوسلطانية عن إطلاق مشروع عقاري سياحي بداخل هذه المحمية في شرف وادي الحربي أحد روافد وادي بني خروص شمال الجبل الأخضر، وهذا العام تم الإعلان عن تفاصيل المشروع باسم “الجبل العالي” والإدعاء بأنه تم التخطيط له بالتشاور مع أهالي الجبل وهذا الكلام عار عن الصحة، فإن كان تم التشاور مع أحد بالفعل فهم ليسوا إلا عبيد وخدم العصابة وأتباعها في الجبل وما أكثرهم وهم ليس لهم رأي يمثل أهالي الجبل بسبب تبعيتهم للعصابة.
لقد تم تخريب بيئة الجبل وتلويثها وتدميرها واستنزاف مواردها خلال العقود الماضية باسم السياحة، فأنشئت المنتجعات والفنادق والمزارع الخاصة التي تستنزف موارد الجبل الأخضر المائية وتخلّ بمنظومته الطبيعية وتؤثر سلباً على التوازن البيئي وقدرة الناس علي الاستفادة من موارد الجبل.
وهذا المشروع بالذات وبسبب موقعه سيكون كارثياً حتى لو لم ينجح، فمساحة المنطقة المراد تدميرها وتجريفها لإقامة المشروع الذي يحتوي 4500 وحدة سكنية شاسعة جداً تساوي مليون ونصف المليون متر مربع حسب الخطة.
وتعتبر الجروف الشمالية للجبل الأخضر منابع لمجموعة من أودية عُمان الكبرى كوادي بني خروص الذي يعد وادي الحربي - موقع المشروع- أحد روافده الأساسية، وبالتالي تضرر الموارد المائية بمشروع بهذه الضخامة أمراً حتمياً، ولقد سبق أن تضرر وادي الهجري أحد روافد وادي تنوف من منتجع سياحي آخر أقامته العصابة وهو "منتجع عليلة" في حيل الديار بالجبل.
ورغم أن موقع ما اسمته العصابة بـ "الجبل العالي" يفترض أنه يقع بداخل محمية الجبل الأخضر المزعومة وبالتالي حيوانات برية كالوعول والغزلان وطيور الحجل العربي وغيرها من الحيوانات البريّة النادرة التي تعيش وتتكاثر في الموقع يجب أن تكون كبيئتها محمية؛ لكنها ستفر حتماً من الموقع وحتى من حدوده بسبب النشاط البشري الكبير الذي سيحدث في مرحلة التجريف والتخريب والتشييد ومن ثم النشاط البشري في مرحلة السكن بالموقع، ولأن الموقع أصلاً من المواقع القليلة المتبقية في الجبل الأخضر والتي لم تصل إليها أيدي العصابة ومشاريعها السياحية والعقارية فإن انقراض هذه الحيوانات احتمال وارد.
ومن النباتات التي تستوطن الجروف الشمالية للجبل الأخضر وتم تأكيد وجودها ميدانياً حتى اليوم في جروف وادي الحربي هو السعتر البري، ومن المرجح أنه سيختفي بسبب حساسيته الشديدة للتغيرات البيئية.
لقد حافظ أهالي الجبل الأخضر على بيئتهم قروناً طويلة واستفادوا من مواردها وخيراتها وتعاملوا معها بكل مسؤولية وحرص وبأنظمة دقيقة مستنبطة من طبيعة البيئة نفسها بلا استنزاف ولا هدر بل باستدامة وعناية؛ لتأتي العصابة اليوم وتنهي كل هذا فتقوم بالعبث بهذه البيئات العذراء باسم هذه المشاريع والمنتجعات السياحية المتزايدة التي لا تخدم غالباً إلا قلة فاسدة ومتنفذة.
تفوا عليك يا شاذ
ردحذف